كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مقيدة عفا الله عنه: والأظهر عندي وجوب ترتيب الفوائت في أنفسها الأولى فالأولى.
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري، وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. قال النسائي في سننه: اخبرنا عمر بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد بن ابي سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل. فأنزل الله عز وجل: {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 9] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم اقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أذن للمغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها اهـ. فهذا الإسناد صحيح كما ترى، ورجاله ثقات معروفون. فعمرو بن علي هو أبو حفص الفلاس وهو ثقة حافظ، ويحيى هو القطان وجلالته معروفة. وكذكلك ابن أبي ذئب جلالته معروفة. وسعيد بن سعيد هو المقبري وهو ثقة. وعبد الرحمن بن ابي سعيد الخدري ثقة. فهذا إسناد صحيح كما ترى، وفيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الفوائت في القضاء: الأولى فالأولى.
وقد قدمنا أن أفعاله المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب على الأصح، وان ذلك يعتضد بحديث مالك بن الحويرث الثابت في الصحيح: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وحديث أبي سعيد هذا أخرجه ايضًا الإمام أحمد. قال الشوكاني في (نيل الأوطار): ورجال إسناده رجل الصحيح. وقال الشوكاني أيضًا عن ابن سيد الناس اليعمري: إن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي: حدثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: وهذا إسناد صحيح جليل اهـ. وقال النسائي في سننه: اخبرنا هناد عن هشيم، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالًا فأذن، ثم اقام فصلى الظهر، ثم اقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء اهـ. أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة قال: حدثنا سعيد بن ابي عروبة قال: حدثنا هشام: أن أبا الزبير المكي حدثهم عن نافع بن جبير: أن أبا عبيدة بن عبد اله بن مسعود حدثهم أن عبد الله بن مسعود قال: كما في غزوة فحسبنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فلما انصرف المشركون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا فأقام لصلاة الظهر فصلينا، وأقام لصلاة العصر فصلينا، وأقام لصلاة المغرب فصلينا، وأقام لصلاة العشاء فصلينا، ثم طاف علينا فقال: «ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم» اهـ. وحديث ابن مسعود هذا أخرجه الترمذي أيضًا. قال الشوكاني رحمه الله في (نيل الأوطار): إن إسناده لا بأس به.
قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن إسناد حديث ابن مسعود هذا لا يخلو من ضعف، لأنه روايه عنه ابنه أبو عبيدة، وروايته عنه مرسلة لأنه لم يسمع منه. ولكن هذا المرسل يعتضد بحديث ابي سعيد الذي قدمنا آنفًا أنه صحيح، ومن يحتج من العلماء بالمرسل يحتج به ولو لم يعتضد بغيره.
واعلم أن حديث أبي سعيد وابن مسعود المذكورين لا يعارضهما ما في الصحيحين من كونهم شغلوهم عن العصر وحدها. لأن ما فيهما زيادة، ةزيادة العدول مقبولة (من حفظ حجة على من لم يحفظ) وبه تعلم أن ما ذكره ابن العربي من تقديم ما في الصحيحين على الزيادة التي في حديث أبي سعيد وابن مسعود خلاف التحقيق.
تنبيه:
اعلم أن الآئمة الأربعة وأصحابهم وجماهير فقهاء الأمصار: على أن من نسي صلاة أو نان عنها قضاها وحدها ولا تلزمه زيادة صلاة اخرى. قال البخاري في صحيحه: (باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة) وقال إبراهيم: من ترك صلاة واحد عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة. حدثنا أبو نعيم، وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك». {وَأَقِمِ الصلاة لذكريا} [طه: 14] قال موسى: قال همام: سمعته يقول بعد {وَأَقِمِ الصلاة لذكريا} حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا انس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه اهـ. وقال في (الفتح الباري) في الكلام على هذا الحديق وترجمته قال علي بن المنيرك صرح البخاري بغثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوّة دليله، ولكنه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر. فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب. لقول الشارع (فليصلها) ولم يذكر زيادة، وقال أيضًا: «لا كفارة لها، إلا ذلك» فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها. وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصل التي ذكر، ثم يصلي التي كان صلاها مراعاة للترتيب- انتهى منه. فإن قيل: جاء في صحيح مسلم في بعض طرق حديث أبي قتادة في قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى ضربتهم الشمس ما نصه: ثم قالك يعني (النبي صلى الله عليه وسلم): «أما إنه ليس في النوم تفريط غنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها» اهـ.
فقوله في هذا الحديث: فإذا كان الغد.. إلخ. يدل على أنه يقضي الفائتة مرتين: الأولى عند ذكرها، والثانية: عند دخول وقتها من الغد؟ فالجواب ما ذكره النووي في شرحه للحديث المذكور قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها» فمعناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ويتحول في المستقبل، بل يبقى كما كان، فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول. وليس معناه أنه يقضي الفائتة مرتين: مرة في الحال، ومرة في الغد، وإنما معناه ما قدمناه. فهذا هو الصواب في معنى هذا الحديث. وقد اضطربت اقوال العلماء فيه. واختار المحققون ما ذكرته والله أعلم انتهى منه. وهذا الذي فسر به هذه الرواية هو الذي يظهر لنا صوابه والعلم عند الله تعالى. ولكن جاء في سنن أبي داود في بعض طرق حديث أبي قتادة في قصة النوم عن الصلاة المذكورة ما نصه: «فمن أدرك منكم صلاة الغد من غد صالحًا فليقض معها مثلها» اهـ. وهذا اللفظ صريح في أنه يقضي الفائتة مرتين، ولا يحمل المعنى الذي فسر به النووي وغيره لفظ رواية مسلم.
وللعلماء عن هذه الرواية أجوبة، قال ابن حجر في (فتح الباري) بع دأن اشار إلى رواية أبي داود المذكور ما نصه: قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون الأ/ر فيه للاستحباب ليجوز فضيلة الوقت في القضاء انتهى. ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضًا بل عدُّوا الحديث غلطًا من روايه. حكى ذلك الترمذي وغيرع عن البخاري. ويؤيده ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أنهم قالوا: يا رسول الله، ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم» اه كلام صاحب الفتح. وحديث عمران المذكور قد قدمناه وذكرنا من أخرجه. والعلم عند الله تعالى.
المسألة السادسة:
اعلم أن العلماء اختلفوا فيمن ترك الصلاة عمدًا تكاسلًا حتى خرج وقتها وهو معترف بجوبها. هل يجب عليه قضاءها أو لا يجب عليه. فقد قدمنا خلاف العلماء في كفره، فعلى القول بأنه كافر مرتد يجري على الخلاف في المرتدن هل يجب عليه قضاء ما فاته في زمن ردته أو لا يجب عليه.
واعلم أولًا أن الكافر تارة يكون كافرًا اصليًا لم يسبق عليه إسلام، وتارة يكون كافرًا بالردة عن دين الإسلام بعد أن مسلمًا.
أما الكافر الأصلي فلا يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في حال كفره وهذا لا خلاف فيه بين علماء المسلمين. لأن الله تعالى يقول: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وقد أسلم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم خلق كثير فلم يامر أحدًا منهم بقضاء شيء فائت كفره.
وأما المرتد ففيه خلاف بين العلماء معروف. قال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء ما تركه في زمن ردته، ولا في زمن إسلامه قبل ردته، لأن الردة تحبط جميع عمله وتجعله كالكافر الأصلي عياذًا بالله تعالى. وإن كان قد حج حجة الإسلام ابطلتها ردته على هذا القول. فعليه إعادتها إذا رجع إلى الإسلام. وتمسك م قال بهذا بظاهر قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين} [المائدة: 5]. وقال بعض أهلم العلم: يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في زمن ردته وزمن إسلامه قبل ردته، ولا تجب عليه إعادة حجة الإسلام. لأن الردة لم تبطلها. واحتج من قال بهذ بقوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنيا والآخرة} [البقرة: 217] الآية. فجعل الموت على الكفر شرطًا في حبوط العمل. وبالأول قال مالك، ومن وافقه. وبالثاني قال الشافعي، ومن وافقه. وهم روايتان عن الإمام أحمد. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع: أن قول الشافعي ومن وافقه في هذه المسألة أجرى على الأصول. لوجوب حمل المطلق على المقيد، ولاسيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا.
وأما على قول الجمهور بأنه غير كافر فقد اختلفوا أيضًا في وجوب القضاء عليه. اعلم أولًا أن علماء الأصول اختلفوا في الأمر بالعبادة المؤقتة بوقت معين، هل هو يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج وقتها من غير احتياج إلى امر جديد بالقضاء أو لا يستلزم القضاء بعد خروج الوقت، ولابد للقضاء من أمر جديد، فذهب ابو بكر الرازي من الحنفية وفاقًا لجمهور الحنفية إلى أن الأمر بالعبادة الموقتة يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج الوقت من غير احتياج إلى أمر جديد، واستدلوا لذلك بقاعدة هي قولهم: الأمر بالمركب أمر بكل جزء من أجزائه، فإذا تعذر بعض الأجزاء لزم فعل بعضها الذي لم يعتذر. فالأمر بالعبادة الموقتة كالصلوات الخمس أمر بمركب من شيئين: الأول منهما: فعل العبادة. والثاني: كونها مقترة\نة بالوقت المعين لها، فغذا خرج الوقت تعذر أحدهما عليه، لأن الأمر بالمركب أمر بأجزائه.
وهذا القول صدر به ابن قدامة في (روضة الناظر) وعزاه هو والغزالي في (المستصفى) إلى بعض الفقهاء.
وذهب جمهور أهل الأصول إلى أن الأمر بالعبادة الموقتة لا يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج الوقت واستدلوا لذلك بقاعدة وهي (أن تخصيص العبادة بوقت معين دون غيره من الأوقات لا يكون إلا لمصلحة تختص بذلك الوقت دون غيره، إذ لو كانت المصلحة في غيره من الأوقات لما كان لتخصيصه دونها فائدة)، قالوا فتخصيصه الصلوات بأوقاتها المعينة، والصوم برمضان مثله، كتخصيص الحج بعرفات، والزكاة بالمساكين والصلاة بالقبلة، والقتل بالكافر ونحو ذلك.
واعلم أن الذين قالوا: إن الأمر لا يستلزم القضاء، وهو الجمهور- اختلفوا في إعادة الصلاة المتروكة عمدًا على قولهم: إن تاركها غير كافر، فذهب جمهورهم إلى وجوب إعادتها، قالوا: نحن نقول: إن القضاء لابد له من أمر جديد، ولكن الصلاة المتروكة عمدًا جاءت على قضائها أدلة، منها: قياس العامد على الناسي والنائم، المنصوص على وجوب القضاء عليهما، قالوا: فإذا وجب القضاء على النائم، والناسي فهو واجب على العامد من باب أولى، وقال النووي في شرح المهذب: ومما يدل على وجوب القضاء حديث ابي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان أن يصوم يومًا مع الكفارة، اي بدل اليوم الذي أفسده بالجماع عمدًا. ورواه البيهقي بإسناد جيد، وروى بو داود نحوه- انتهى كلام النووي.
ومن اقوى الأدلة على وجوب الأدلة على وجوب القضاء على التارك عمدًا عموم الحديث الصحيح الذي قدمناه في سورة (الإسراء) الذي قال فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم: «فدين الله أحق أن يقضى»، فقوله: «دين الله» اسم جنس مضاف إلى معرفة فهو عام في كل دين، كقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله} [إبراهيم: 34] الآية، فهو عام في كل نعمة. ولا شك أن الصلاة المتروكة عمدًا دين الله في ذمة تاركهان فدل عموم الحديث على أنها حقيقة جديرة بأنتقضى، ولا معارض لهذا العموم.
وقال بعض أهل العموم: ليس على التارك الصلاة عمدًا قضاء، لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد ولم يأت أمر جديد بقضاء التارك عمدًا. ومن قال بهذا ابن حزم واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله. وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله:
والأمر لا يستلزم القضاء ** بل هو بالأمر الجديد جاء

لأنه في زمن معين يجي ** لما عليه من نفع بني

وخالف الرازي إذ المركب ** لكل جزء حكمه ينسحب

تنبيه:
سبب اختلاف العلماء هذه المسألة: أنها تجاذبها أصلان مختلفان: فنظرت كل طائفة إلى أحد الأصلين المختلفين:
أحدهما: الأمر بالمركب أمر بأجزائه. وإليه نظر الحنفية ومن وافقهم.
والثاني: الأمر بالعبادة في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بالوقت المذكور، وإليه نظر الجمهور. ومثل هذا من الأشياؤ التي تكون سببًا للاختلاف في المسألة كما أشار له الشيخ ميارة في التكميل بقوله:
وإن يكن في الفرع تقريران ** بالمنع والجواز فالقولان

{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)}.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه وعد عباده المؤمنين المطيعين جنات عدن. ثم بين أنه وعده مأتي. بمعنى أنهم يأتونه وينالون م وعدوا به. لأنه جل وعلا لا يخلف الميعاد. وأشار لهذا المعنى في مواضع أخر. كقوله: {وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} [الروم: 6] الآية. وقوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [الرعد: 31]، وقوله: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: 194-195] الآية، وقوله تعالى: {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 107-108]، وقوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الولدان شِيبًا السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل: 17-18]، وقوله تعالى: {أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وَعِدَ المتقون كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ على رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا} [الفرقان: 15-16] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: {مأتيًا} اسم مفعول أتاه إذا جاءه. والمعنى: أمهم لابد أن يأتون ما وعدوا به. خلافًا لمن زعم أن {مأتيًا} صيغة مفعول أريد بها الفاعل. أي كان وعده آتيًا، إذ لا داعي لهذا مع وضوح ظاهر الآية.
تنبيه:
مثل بعض علماء البلاغة بهذه الآية لنوع من أنواع البدل. وهو بدل الكل من البعض، قالوا: {جنات عدن} بدل من الجنة في قوله: {أولئك يدخلون الجنة} بدل كل من بعض.
قالوا: ومن أمثلة بدل الكل من البعض قوله:
رحم الله أعظما دفنوها ** بسجستان طلحة الطلحات

(فطلحة) بدل من قوله: (أعظمًا) بدل من كل بعض. وعليه فأقسام البدل ستة: بدل الشيء من الشيء. ويدل البعض من الكل. وبدل الكل من البعض. وبدل الاشتمال. وبدل البداء. وبدل الغلط.